كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد
16 تشرين الثاني 2020
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد
(مترجم عن الإنجليزية)
(عبر تقنية الاتصال المرئي)
بسم الله الرحمن الرحيم
أصدقائي الأعزاء،
يسعدني أن أشارككم في هذا المنتدى العالمي، وأن أساهم في حواركم المستفيض، خلال هذه الفترة الاستثنائية من تاريخنا الحديث.
وكما هو واضح في نقاشاتكم هذا اليوم، فإن جائحة كورونا وتداعياتها قد أحدثت تحولات في عالمنا، عز نظيرها في العصور السابقة.
هذه التحولات تدق ناقوس الخطر، وتؤكد لنا أننا نحتاج لبعضنا البعض، وأن حياة كل إنسان ثمينة. كما تبين لنا أن المشكلة التي تواجه بلداً، هي فعلياً تواجه جميع البلدان؛ لذا لا يمكننا أن نختار ببساطة، أن نعزل أنفسنا عن العالم، وأن نتوقع النجاة من الجائحة دون أضرار.
وبالرغم من أن التعاون الدولي في الأعوام السابقة لا يتصف بالكمال، إلا أنه من الأفضل لنا أن نعمل على ترسيخ أسس نظامنا العالمي، لا أن نتخلى عنه، وأن نسعى لتحسين وإعادة ضبط العولمة. وقد منحتنا جائحة كورونا الفرصة الفريدة للعمل على ذلك، لإيجاد أساليب لتحصين عالمنا في مواجهة الأزمات الراهنة والمستقبلية، بما في ذلك التأثير الواضح والمستمر للتغير المناخي.
هناك ثلاثة محاور تستدعي اهتمامنا الفوري، وهي تحسين الوصول للخدمات الصحية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتشجيع الابتكار لتحفيز التعافي.
أصدقائي،
لقد كشف لنا هذا الوباء مدى ترابطنا؛ إذ نحن سواسية في مواجهته، ولا أحد محصن، فدعونا نسخّر ترابطنا لمحاربته من خلال التوزيع الفعال للقاحات والعلاج. علينا التعامل مع اللقاح كسلعة عامة، يجب أن تكون متاحة للجميع. والصناعات الدوائية في الأردن قادرة على المساهمة في هذه المهمة، لضمان إنتاج اللقاح وتوزيعه بشكل كاف، خاصة على المجتمعات المعرضة للخطر، مثل اللاجئين والأسر التي تعيش تحت خط الفقر.
كما أن الأمن الغذائي يستدعي اهتمامنا الفوري؛ إذ من المتوقع أن يرتفع عدد المعرضين لخطر نقص الغذاء إلى 265 مليون شخص هذا العام، بسبب الأثر الاقتصادي الناجم عن الجائحة، أي بارتفاع يقدر بحوالي 130 مليون شخص عن العام الماضي.
ولا بد من تسهيل الوصول لتقنيات الزراعة الحديثة، خاصة للمزارعين في البلدان النامية، للمساهمة في تحسين نوعية ووفرة الغذاء.
إن القطاع الزراعي-الغذائي في الأردن، على سبيل المثال، يوفر سبل المعيشة لحوالي ربع السكان، وهو أحد أكبر مصادر التشغيل للاجئين والمرأة في المجتمعات الريفية. ومنذ بداية الجائحة، أثبت هذا القطاع حضوره بشكل كبير ضمن سلسلة التوريد العالمية، وهناك إمكانية لتوسّعه بشكل كبير، بالمزيد من الاستثمار وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا.
بإمكان التكنولوجيا أن تكون سبيلنا نحو التعافي ما بعد "كورونا"، فإحدى أبرز جوانب استجابتنا للجائحة تمثلت بنهوض شبابنا الأردني لمواجهة التحدي، حيث قاموا بابتكار حلول رقمية في وقت قياسي، لتعزيز قطاعات الرعاية الصحية، والتعليم، والتجارة الإلكترونية، وعملوا على توفير الخدمات لغيرنا في المنطقة.
لذا، لا بدّ من تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار بها، من خلال تسهيل وصولها للتمويل، والتكنولوجيا، والأسواق، أثناء سعينا نحو النمو والتعافي الشاملين.
أصدقائي،
لقد قلبت جائحة كورونا عالمنا رأساً على عقب، وراح ضحيتها أكثر من مليون إنسان، وفي كل بلد فقدت أسر أشخاصاً عزيزين، كما خسر الملايين مصادر معيشتهم. في هذا المنتدى، تذكروا تلك الأسر. كثيرا ما نخوض في التفاصيل الفنية، والسياسات، والأرقام، وننسى ما يهمنا حقا. لذا، وأنتم تبحثون في كيفية إعادة بناء عالم أكثر منعة وشمولا، فليكن حفظ الحياة الإنسانية هدفكم الأسمى. أتمنى لكم النجاح.