الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس
منذ عام 1917، تحفظ وصاية الملوك الهاشميين على المقدسات في القدس الحقوق الدينية للمسلمين والمسيحيين في القدس وتضمنها، كما تحافظ على هوية المقدسات وسلامتها.
وورث جلالة الملك عبدالله الثاني الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس عن أجداده الهاشميين، بدءاً بجد جده، الشريف الحسين بن علي. وعندما أعلن المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، قرار فكّ ارتباط الأردن بالضفة الغربية عام 1988، استثنى بشكل خاص المقدسات وأملاك الوقف في القدس الشرقية من القرار، وبالتالي، أبقى على الوصاية الهاشمية. وتمّ التنسيق حول هذا الاستثناء مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. ومن ثمّ تمّ الإقرار بهذا الدور الخاص للأردن في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لعام 1994.
وبعد اعتراف الهيئة العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقب غير عضو عام 2012، وفي اتفاق تاريخي وقعه جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في شهر آذار 2013، أعيد التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وأن جلالة الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصا المسجد الأقصى، المعرف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.
الإعمار الهاشمي الأول (1922 – 1952)
في عام 1922، تمّ تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى للحفاظ على القيم الإسلامية المثلى وحماية مقدسات فلسطين. تولى المجلس الإسلامي الأعلى مسؤولية جمع التبرعات لترميم قبة الصخرة المشرفة. زار وفد من المجلس الشريف الحسين بن علي في عام 1924، وقدّم له إيجازاً عن وضع المسجد، فتبرع الشريف الحسين بـ 38٬000 ليرة ذهبية.
وأشرف الأمير عبدالله بن الحسين، شخصياً على أعمال الإعمار، كما أشرف على الإعمار الذي تمّ في الأربعينيات، والذي عُرف بالإعمار المصري، نسبة إلى الدور الفني والتقني المصري واستيراد السيراميك المستخدم في الإعمار من مصر.
وأثناء حرب عام 1948، تضررت أجزاء كبيرة من البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف، وسطح كنيسة القيامة، وفوراً بعد نهاية الحرب، زار الملك عبدالله المؤسس الأقصى وأعلن عن ترميم محراب النبي زكريا، عليه السلام، كجزء من إعادة إعمار المباني المحيطة، التي كانت قد تضررت في أساساتها.
وفي عام 1949، ساعد الملك المؤسس شخصياً في إخماد حريق دمّر أجزاءً من كنيسة القيامة، ودأب جلالته على دوره صاحباً للوصاية على المقدسات في القدس طوال عهده.
الإعمار الهاشمي الثاني (1952 – 1964)
شمل الإعمار الهاشمي في الخمسينيات تركيب صفائح الألمنيوم المذهّب عوضاً عن الصفائح الخارجية الرصاصية التي كانت تغطي الهيكل الخشبي لقبة الصخرة، والتي لم تكن تمنع تسرب المياه إلى الداخل، كما كان لون القبة الذهبي قد بهت. وفي الفترة 1952 - 1953، أشرف جلالة الملك الحسين في بداية عهده على صيانة هذه الصفائح.
وفي عام 1954، وجّه جلالة الملك الحسين بسنّ القانون الأردني للجنة الإعمار الهاشمي، والذي أشرف بموجبه جلالته على ترميم قبة الصخرة المشرّفة، وقبة السلسلة، وسبيل قايتباي، ومسجد النساء، ومواقع أخرى.
الإعمار الهاشمي الثالث - الإعمارات الطارئة (1969 - الحاضر)
تضرر منبر صلاح الدين في المسجد القبلي، في المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف، بشكل كبير عندما أضرَم به النار الصهيوني الأسترالي دينيس مايكل روهان في 21 آب 1969. وكان المنبر، الذي بناه السلطان نورالدين زنكي، قد جُلب من حلب إلى القدس على يد صلاح الدين بعد تحرير القدس من الصليبيين عام 1187. قام جلالة الملك عبدالله الثاني بدعم ترميم المنبر والإشراف عليه، وقد كلف الخزينة الأردنية 2.115 مليون دولار أمريكي. وتمّ تركيب المنبر في مكانه التاريخي في المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف في 2 شباط 2007. كما تم ترميم الأضرار التي تسبّب بها حريق عام 1969.
الإعمار الهاشمي الرابع (1990 – 1994)
بحلول التسعينيات من القرن الماضي، كانت قبة الصخرة المشرفة قد تضررت مرّة أخرى من الداخل والخارج بفعل الظروف البيئية وقنابل الصوت التي تطلقها القوات الإسرائيلية بشكل متكرر. في عام 1992، باع الملك الحسين بيته في لندن بقيمة 11.636 مليون دولار أمريكي ليتمكن من تغطية كلفة إعمار قبة الصخرة المشرفة في عام 1994. وبموجب تعليمات الملك الحسين، استعانت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية بخبرات محترفة لإعادة تصفيح وتكسية قبة الصخرة المشرفة بحوالي 1200 صفيحة من النحاس والنيكل مطلية بالذهب عيار 24 قيراط، وإعادة بناء دعائم السطح، وصيانة الأساسات، وحماية القبة من الداخل ضد الحرائق.
الإعمار الهاشمي الخامس (1994 -الحاضر)
تحمل المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس أهمية بالغة لدى جلالة الملك عبدالله الثاني. واستمراراً في الالتزام الملكي برعايتها، أسس جلالة الملك عبدالله الثاني الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بموجب قانون جديد صدر في عام 2007.
وشملت مشاريع الإعمار الهاشمي بالمسجد الأقصى في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني: إكمال أعمال ترميم منبر صلاح الدين الذي دُمِّر في حريق عام 1969؛ إذ أعيد ترميم المنبر في مشغل بجامعة البلقاء التطبيقية وأعيد إلى القدس عام 2007، وتصفيح الأسطح الغربية لأروقة المسجد الأقصى وأسطح جامع النساء ومشروع المتحف الإسلامي (2004-2007)، وترميم أجزاء كبيرة من الحائطَين الجنوبي والشرقي للمسجد الأقصى المبارك خلال الأعوام 2003-2008، وترميم الأبواب والشبابيك والفَرش والإضاءة وأنظمة الصوت، وترميم سبيل قايتباي وسبيل قاسم باشا وقبة السلسلة وعدد كبير من أسبلة المسجد الأقصى ومصاطبه وقبابه، وترميم الأعمال الفنية وإعادة الرخام الداخلي لجدران قبة الصخرة المشرفة، وترميم الزخارف الفسيفسائيّة والجصّيّة (2016-2018).
وفي موازاة حماية المقدسات الإسلامية، مارس الأردن جهوداً لحماية الوجود المسيحي في القدس ورعاية الأماكن المقدسة المسيحية فيها، فقد وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2016 بترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة بالقدس على نفقته الخاصة، وفي عام 2017 قام الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وجهاز الإعمار الهاشمي في أوقاف القدس بترميم كنيسة الصعود الواقعة على جبل الزيتون بتوجيه ملكي.
كما تبرّع جلالة الملك بجزء من القيمة المالية لجائزة تمبلتون التي تسلّمها عام 2018 لإنجاز أعمال الترميم الشامل لكنيسة القيامة بالقدس، بينما تبرّع بباقي قيمة الجائزة لدعم الجهود الإغاثية والإنسانية ومبادرات إرساء الوئام بين أتباع المذاهب والأديان في الأردن وحول العالم. وتم إنجاز المرحلة الأولى المتمثلة بترميم القبر المقدس (2016-2017)، والمرحلة الثانية المتمثلة بتبليط وترميم بلاط كنيسة القيامة (2018-2023).